قال المؤلف رحمه الله (فصلٌ)
الشرح هذا فصل معقود لبيان موجبات الغسل وأركانِه.
قال المؤلف رحمه الله (ومنْ شروطِ الصلاةِ الطهارةُ مِنَ الحدثِ الأكبرِ بالغُسلِ أو التيمّم لمن عجزَ عن الغُسلِ والذي يُوجبُهُ خمسةُ أشياءَ خروجُ المنيّ والجماعُ والحيضُ والنفاسُ والولادةُ.)
الشرح أنَّ من شروط الصلاة التي لا تصح الصلاة بدونها الطهارةَ عن الحدث الأكبر وتُسمَّى هذه الطهارة الغسل والذي يوجب ذلك خمسةُ أشياء.
الأول خروج المنيّ1 أي ظهورهُ إلى ظاهر الحشفة من الرجل ووصولُه إلى ظاهر فرج البِكْر أو وصولُه إلى ما يظهر من فرج الثيّب عند قعودها2 على قدمَيْها لقضاء الحاجة أو للاستنجاء فما لم يصل إلى ذلك فلا يوجِبُ الغسلَ فلو وقف المني فيما دون ظاهر الحشفة من الرَّجُلِ لا يجب الغسل عليه.
وكذلك البكر إذا لم يظهر المني إلى ظاهر فرجها لا يجب عليها الغسل وكذا الثيب فلا يجب عليها الغسل إن لم يصل منيها إلى ما يظهر من فرجها عندما تقعد لقضاء الحاجة3. وللمني ثلاث علامات يعرف بها إحداها التَّدفُّقُ أي الانصباب بشدّة شيئًا فشيئًا وثانيها التلذُّذ بخروجه بحيث يعقبه فتور الشهوة وثالثها ريح العَجين في حال الرطوبةِ وريح بياض البيض بعد الجفاف وهي علامات مشتركة بين الرجال والنساء4. ومن رأى منيًّا في ثوبه أو في فراشه الذي لا ينام فيه غيرُه وَجَبَ عليه الغُسلُ وإعادةُ كل فرض صلاه إذا كان لا يَحتمل حدوثُهُ بعده5.
والثاني الجماع وَهُوَ إِيلاجُ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا مِنْ فَاقِدِهَا فِي فَرْجٍ وَلَوْ دُبُرًا
والثالث الحيضُ وهو الدم الخارج من رحم المرأة على سبيل الصحة من غير سبب الولادة وإمكانُهُ بلوغُ تسعِ سنينَ تقريبًا بالسنينَ القمرية6. وأقلُّه يومٌ وليلةٌ أي مقدار أربع وعشرين ساعة سواءٌ كان متّصلاً أو متقطعًا في ظرْفِ خمسةَ عَشَر يومًا فلو رأت ستةَ أيام كل يوم أربع ساعات دمًا ثم انقطع كانت تلك المدّة كلها حيضًا. وأكثره خمسة عَشَرَ يومًا مع أوقات النقاء التي تتخللها. وَغالِبُهُ سِتةٌ أوْ سَبْعٌ.
والرابع النفاس وهو الدم الخارج بعد خروج الولد ولو مَجَّة أي قدر بزقةٍ واحدة وهو أقل النفاس وأكثره ستُّون يومًا وغالبه أربعون يومًا. والموجِبُ للغسل مِنَ الحيض والنفاس هو انقطاع الدم.
والخامس الولادة ولو كان الذي خرج منها عَلَقةً7 أو مُضْغةً8 أخبَرَتِ القوابلُ أنها أصل ءادميّ ولو بلا بللٍ وذلك لأن الولد منيٌّ منعقد9.
فهذا القدر من العدد هو بالنسبة للحيّ أما الميت فيجب غسلُه على المكلّفين ليس عليه لأنَّهُ خرج عن التكليف.
ومن مسائل الحيض أن الدمَ لا يعتبرُ حيضًا إلا أن تراهُ المرأةُ بعد تسعِ سنينَ قمريةٍ أو قبلَها بأقلَّ من ستة عشر يومًا كما تقدم وما سوى ذلك فهو دمُ فساد تستنجي منه ثمَّ تتوضأُ فتصلي. ومنها أنَّ المرأة متى ما رأتِ الدَّمَ في وقت الحيض تتجنّب ما تجتنبه الحائض من صوم وصلاة ووطئ وغير ذلك10 ولا تنتظر بلوغه يومًا وليلة ثمّ إن نقصَ عن يوم وليلة قضت ما كانت قد تركته من صوم وصلاة ولا يلزمُها غُسلٌ عند ذلك لعدمِ الحيض11. ومنها أنّه متى ما انقطع الدمُ بعد بلوغِ أقلِّهِ أي أربع وعشرين ساعة تغتسل وتصلِّي وتصوم ويحلُّ وطؤُها فإن عاد في زمن الحيض تبيّن وقوعُ عبادتِها في الحيضِ فتؤمر بقضاء الصوم فقط ولا إثم بالوطئ لبناء الأمْر على الظاهر وإذا انقطعَ حُكِم بطُهرها وهكذا ما لم يَعْبُر خمسة عَشَرَ يومًا12. ومنها أنّ الانقطاع يُعْرَفُ بأن تكون بحيثُ لو أدخلتِ القُطنةَ فرجَها خَرَجت بيضاء13 وليس شرطًا أن تنظر كل ساعة لتتأكد من نقائها.
قال المؤلف رحمه الله (وفروض الغُسل اثنان نية رفعِ الحدث الأكبر أو نحوُها وتعميم جميع البدن بشرًا وشعرًا وإنْ كَثفَ بالماء.)
الشرح فرضُ الغسل يحصل بأمرين الأول النيَّة فينوي رفعَ الحدث الأكبر بقلبه أو ينوي رفعَ الحدث أو ينوي فرض الغسل أو ينوي الغسل الواجب أو ما يقوم مقام ذلك كاستباحة الصلاةِ أو الطوافِ بالكعبة14 بخلاف نيّة الغسل فقط15 أو الطهارة فقط فإِنَّ ذلك لا يكفي. ويجب قرن النيّة القلبية بأول مغسول فلو غسل بعض جسمه بدون هذه النيّة ثم نوى في أثناء الغسل وجب إعادة ما غسل قبل النيّة16. والثاني تعميم جميع البدن أي ظاهره بالماء
فيجب تعميم البشر أي الجلد والشعر ظاهره وباطنه، ويجب إيصال الماء إلى ما يظهر من الصماخ أي خَرْقِ الأُذن17 لا باطنِ فمٍ وأنفٍ فإن ذلك لا يجب18.
وينبغي الاعتناءُ بالطهارتين الوضوء والغسل لقول النَّبيّ صلى الله عليه وسلم «الطُّهُور شطر الإيمان» أي نصف الإيمان، رواه مسلم19، ولا يتقن صلاته من لا يتقن طهارته أي من كان لا يؤدِّي طهارته على الوجه التام لا يكون مؤديًا صلاتَهُ على التمام بل لا بد من أمور تنقصه، قال الله تعالى ﴿إن اللهَ يحبُّ التوّابين و يحبُ المتطهِّرين﴾20.
-------------